قدم ارثر شوبنهاور سنة 1813 اطروحته المعنونة ب:"الجذر التربيعي لمبدأ العلة الكافية" في جامعة يينا و على إثرها أخذ منصب استاذ بجامعة برلين.
لقد ناقشت اطروحة شوبنهاور بشكل نقدي تلك النزعة التي تفترض ان ما هو حقيقي يجب ان يكون عقلانيا بالضرورة اذ خيم على الفلاسفة لمدة قرون فكرة ان الكون من حيث المبدأ مكان مفهوم بشكل تام و عقلاني الى ابعد الحدود و ان مجرد تطبيق القواعد المنطقية على العالم يكفي لتفسير كل شيء بما في ذلك تفسير الموضوعات الميتافيزقية و من بين هته القواعد المنطقية نجد مبدأ العلة الكافية و اللذي عرفه لايبنيتز في كتابه (المونادولوجيا) بالتعبير التالي:"إذا افتقرت مجموعة من الحقائق او الوقائع لعلة كافية لتكون كذلك لماذا اذا تعرف على انها حقائق؟و لماذا لا تكون شيئا اخر؟" و يبرز لنا هنا الفيلسوف الالماني لايبنيتز اهمية مبدأ العلة الكافية في تقييم الحقائق و بالرغم من ان مبدأ العلة الكافية يبدو بديهيا لكنه يقود الى نتائج صادمة كمثال دعم مبدأ العلة الكافية لحجج كحجة ان العالم المادي لم يخلق في اي وقت معين و ذلك لعدم وجود علة كافية لخلق العالم في توقيت معين بدل اخر اذ ان جميع التوقيتات الزمنية متساوية مبدئيا كذلك فانه و من خلال افتراضنا ان تطبيق مبدأ العلة الكافية ذو نطاق غير محدود فستكون هناك اجابة محددة لأسئلة ميتافيزيقية مستعصية مثل سؤال:"لماذا يوجد شيء بدل لاشيء ؟" كان شوبنهاور خلال دراسته لمبدأ العلة الكافية يبحث عن امتداد تطبيق هذا المبدأ على الكون لمعرفة مدى جدواه حقا في اعطاءنا تفسيرات عقلانية و محددة لقد كان مشروع الجذر التربيعي لمبدأ العلة الكافية في الاصل دفاعا عن رأي كانط اللذي يقول بافتقار العقل الانساني للقدرة على الاجابة عن الاسئلة الميتافيزيقية و ذلك لمحدودية القدرات البشرية المؤسسة لمجال الخبرات الحسية و بالتالي فإن نطاق معرفتنا شديد المحدودية اعطى شوبنهاور تعريفا لمفهوم الجذر الرباعي لمبدأ العلة الكافية اذ ينص هذا المبدأ على التمييز بين الذات و الموضوع فالشرط الاساسي لتطبيق مبدأ العلة الكافية عند شوبنهاور هو ان تفكر في موضوع واحد نحتاج لتفسيره و قد استنتج شوبنهاور من خلال هذا الشرط ان علينا بالضرورة افتراض وجود "ذات" تفكر في "موضوع ما" يحتاج للتفسير و التحليل و قد اعتبر شوبنهاور هذا الشرط اساسيا للمعرفة بشكل عام و يتضح لنا جليا ان مبدأ الجذر التربيعي لمبدأ العلة الكافية يتأسس على مصدر نظري ألا و هو (نقد العقل المحض) لكانط ان هذا المبدأ هو امتداد لفكرة كانط عن فصل الذات عن الموضوع فقد اعطى كانط وصفا للذات انها وحدة الادراك المتعالي المجردة و اعطى وصفا للموضوع انه جوهر متعالي مجرد من خلال مبدأ الجذر التربيعي حدد شوبنهاور اربعة انواع من العلاقات الضرورية الناشئة المستوحاة من نظرية ارسطو في العلل الاربعة في اطار البحث عن تفسيرات و تتأسس هته العلاقات الضرورية على اربعة انواع من التفكير و موضوعات البحث :
-الاشياء المادية
-المفاهيم المجردة
-البنى الرياضية و الهندسية
-الدوافع المحفزة نفسيا
و ترتبط هته الموضوعات في علاقات ضرورية باربعة انماط من التفكير اذ ترتبط الاشياء المادية بنمط تفكير السبب و النتيجة و المفاهيم المجردة بالتفكير المؤسس على المنطق و البنى الرياضية و الهندسية على إدراك الارقام و الفراغات و الدوافع المحفزة نفسيا بالتفكير الاخلاقي الغائي نستنتج من خلال ما سبق أن الجذر التربيعي لمبدأ العلة الكافية هو التمييز بين الذات و الموضوع و نظفر من هذا التمييز بمفهوم العلاقات الضرورية المتأسس على العلاقات بين اربعة انواع مختلفة من الموضوعات و اربعة انماط من التفكير و من خلال هاته العلاقات نتمكن من الحصول على تفسيرات في نهاية المطاف.تجدر الاشارة الى اهمية طرح شوبنهاور الصارم الى ان انماط التفكير التفسيرية المختلفة تعمل فقط بشكل متواز و من المستحيل ان يحيد نمط من هاته الانماط عن الموضوع المحدد الذي تقوم بدراسته فعلى سبيل المثال لفهم المفاهيم المجردة يجب اعتماد نمط التفكير المتأسس على المنطق و كذلك فان نمط التفكير المنطقي لا يفيد في تفسير اي موضوع اخر ما عدا موضوع المفاهيم المجردة و من خلال هاته القواعد شديدة الصرامة التي وضعها شوبنهاور بشأن انماط التفسير المشروعة عارض شوبنهاور كما عارض سلفه كانط اي استدلال يتأسس على واحد من انماط التفكير هاته بغرض تفسير قضايا ميتافيزيقية و على اثر هذا شن شوبنهاور هجوما شرسا على مدارس الفلسفة المثالية في عصره خاصة هيغل و شيلينغ و فيخته اذ اعتبرها فلسفات قائمة في مجملها على هذا النوع من المغالطات التفسيرية.