Advertisement

Main Ad

علم الاخلاق عند سبينوزا

 في مقالة جديدة لمناقشة كتاب الاخلاق لسبينوزا ، و إلقاء نظرة على فكرة وحدة الوجود لديه و الإله السبينوزي الشهير ، فقد نشر بعد سنة واحدة من وفاته ( اي كتاب الاخلاق ) ، استغرق كتابته 20 سنة ، مثل ثورة فكرية عارمة ، إذ أتى مخالفة لكل ما سبق من أفكار ، من ميتافيزيقيا و علم متعارف عليها، وكذلك اسلوب الكتاب القائم على محاكمات النموذج الرياضي و الهندسي ، وهذا مبين من عنوانه علم الاخلاق مبرهن عليه بالطرق الهندسية ، كان يبدأ بتعاريف و مسلمات عامة و بديهية ليسير بعد ذلك إلى تسلسل منطقي رياضي ، و يقوم بعدها بربط النتائج بعضها ببعض ، واستعمال سبينوزا لهذا المنهج هو راجع لاعتقاده أن الحقيقة معيار ذاتها و أن الفكرة الهندسية تستمد برهانها من ذاتها ، وهذا امتداد للعقلانية الديكارتية حيث يمكن اعتبار سبينوزا ديكارتيا أكثر من ديكارت نفسه


و يمكن التيه لأن هذا الكتاب مترابط و متسلسل حيث لا يمكن الانتقال من فقرة أو جزء دون قراءة و فهم الجزء السابق ، فهو كتاب اكاديمي كتب للمختصين وليس العامة ...لم أجده سهلا اطلاقا.
فالفصل الاول عن الله و الطبيعة ، الثاني عن طبيعة النفس ، الثالث عن طبيعة الانفعالات ، الرابع عن قوة الانفعالات ، والفصل الخامس عن حرية الإنسان ، و من المفارقات الغريبة أن الكتاب عكس عنوانه لا يناقش مسألة الاخلاق بل يتناولها في فقرة أخيرة نهاية الكتاب ! (لانه كان يرى أن الأخلاق هي نتيجة العلم و المعرفة الصحيحة).
الفصل الاول ( الله و الطبيعة) : فكرة الله و طبيعة هي اساس و منطلق كل النسق الفلسفي السبينوزي .
من هو إله سبينوزا : هو النظام الكلي الشامل للطبيعة ، بمعنى أنه هو القوة الطبيعة ، أو بكل اختصار هو الطبيعة بمجملها ( وقد استعمل كلمتي الجوهر أو الله للإشارة إليه ) ، فمثلا استعمل لفظ الجوهر لبيانه ان كل مافي هذا الوجود هو عبارة عن جوهر واحد متفرد ، و ايضا الله هو لفظ استعمله سبينوزا للتعبير عن تلك القوة الأزلية الللامتناهية لنظام الطبيعة .
وخلاصة القول إن سبينوزا كان يعتقد بوجود جوهر واحد و وحيد ، وكل الاشياء الاخرى هي تجليات له ( مظاهر ، صفات ، أنماط لهذا الجوهر ) ، و سيقوم بإثبات صفات كالازلية ، الضرورة ، اللانهاىية ، الأبدية ... فهذه الصفات تنطبق أيضا على الطبيعة و على الله ، و سيضيف أيضا صفة لا تنطبق الا على على الطبيعة و هي صفة الامتداد ( اي أن المادة عنده من صفات الجوهر وهذا مخالف لاي تعريف من تعريفات الله الدينية و الفلسفية ) ، و ستزيد الهوة بينهما عندما سيقوم سبينوزا بإسقاط كل صفات الخيرية و الخلق و المعجزات عن الله ، و يشرح بعد ذلك ما المقصود بالله و الطبيعة ، أن لجوهر الوجود الواحد مظهرين ( الله و الطبيعة) الله هو التعبير الرمزي لقوة الطبيعة المتجلية في نظامها و قوتها ، و الطبيعة هي هذا الكون بكل موجوداته ( فالله يصبح الطبيعة الطابعة اي النظام المنتج لكل سلسلة الأفعال في هذا الكون ، و تصبح الطبيعة ، الطبيعة المطبوعة ، اي هذا العالم المنبثق بحكم الضرورة عن طبيعة القوانين التابثة للكون) ، وهوما كما قلنا وجهين لعملة واحدة .
و يمضي سبينوزا في شرحه ، و تبيينه الصفات العديدة لهذا الكون و الذي ندرك منه نحن فقط صفتين ( صفة الفكر و صفة الامتداد ) .
ومن هذه الجزئية بالتحديد ندخل الى علاقة الله بالطبيعة ، الله عند سبينوزا لم يوجد العالم بعملية خلق ، لأن العالم بكل بساطة هو الله و الله هو العالم (العالم هو هذا النظام و هذا النظام هو العالم ) ، فهو وجد بشكل حتمي نتيجة لطبيعة هاته القوانين ( كمجموع زوايا المثلث هو 180 درجة ، أو أن أربعة هي ناتجة عن جمع 2+2 ) ، أشبه بعلاقة المقدمة بالنتيجة بكل بساطة ؟
كان شرح راي ابن عربي ضروري في المقالة السابقة ضروري لفهم الإله السبينوزي و اختلافه مع الاه الصوفية ( مع أنهما يندرجان ضمن مظلة الوجود )، فالاله الصوفي مازال يحمل طابعا دينيا ميتافيزيقيا ؤ بينما الاه سبينوزا هو الاه علمي بحث، لأنه الطبيعة نفسها ، و هذا ما يسعى العلماء لاثباته ، فالكون كله متكون من نفس العناصر و حتى نظريات مثل نظرية التطور بينت لنا أننا نحن الكاىنات الحية من نفس السلف المشترك ، اي كل المجالات تسعى نحو الوحدة ، هاته الوحدة التي تحكم كوننا بتناسقها السرمدي ...يتبع.